كم مرّة استيقظت ليلاً بعد أزمة عاطفيّة وتوجّهت مباشرة نحو الثّلاجة؟ كثيراً ما يحصل أن نتناول كميّات كبيرة من الطّعام ليس بسبب الجوع، وإنّما لأسباب نجهلها. وهذا ما يسمّى الجوع العاطفي وهو تناول الطّعام على الرّغم من عدم الإحساس بالجوع الحقيقي، وإنّما بسبب أزمة قد نمر بها فكانت ردّة الفعل مباشرة اتّجاه المطبخ. فكيف تتعامل مع هذه الحالة لتحافظ على وزنك وصحتك؟
نظرية الأكل العاطفي
تنص نظرية الأكل العاطفي على أنّ المشاعر السّلبيّة يمكن أن تحفز على الأكل، لأنّ الأكل لديه القدرة على تقليل شدّتها. فقد أثبت الباحثين أنّ الأكل العاطفي شائع عند الكثير من النّاس، ولكن يختلف الأفراد فيما بينهم اختلافاً كبيراً في كميّة الطّعام الذي يستهلكونه من أجل تحسين مزاجهم. وأشارت بعض الدّراسات إلى أنّ الحالة المزاجية الإيجابيّة قد تؤدّي أيضاً إلى زيادة بتناول الطّعام. [1]Macht M, Simons G. (2010) Emotional Eating: Emotion Regulation and Well-Being pp 281–295. [2]Bongers P, Jansen A. (2016) Emotional Eating Is Not What You Think It Is and Emotional Eating Scales Do Not Measure What You Think They Measure.
أهم 3 عوامل تساهم في زيادة التعرض لاضطراب الأكل العاطفي
يوجد عدد من العوامل والمسبّبات المختلفة الّتي درسها الباحثون في هذا المجال، ومن أهمّها:
- وجود رابط بين العواطف والغذاء في مرحلة الطفولة المبكرة.
- التّأثيرات الثّقافيّة في حياة الأفراد، وبعض العوامل البيولوجية مثل حاسّة التّذوّق.
- استجابة لملذّات قويّة تعمل على تحسين الحالة العاطفية خلال ابتلاع الطعام. وبعد الابتلاع؛ قد تؤثر العناصر الغذائية على الأنظمة الكيميائية العصبية والغدد الصّمّاء المرتبطة بالعواطف. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ التّأثيرات الكيميائيّة العصبيّة والغدد الصماء العصبيّة تحتاج إلى كميّة معينة من الطّعام الغنيّ بالطاقة لكي تلعب دورها بالإحساس بالملذّات.
اقرأ عن كيفية الحفاظ على الصحة النفسية في العمل، فقد تكون ضغوطات العمل أحد الأسباب التي تدفعك إلى زيادة تناول الطعام دون حاجة.
لماذا يعد بعض الباحثين الأكل العاطفي مشكلة تؤثر على الصحة؟
يمكن أن يكون تناول الطعام استجابةً للمشاعر السلبية مشكلة، كما يتّضح من الدّراسات التي ربطت الأكل العاطفي بالعديد من الأمور، من أهمّها:
- مؤشر كتلة الجسم وزيادة الوزن: إذ أُجريت دراسة على أكثر من 30 رجل وامرأة أعمارهم أكبر أو تساوي 18 سنة، وتمّ جمع البيانات المتعلّقة بالوزن والطّول، وقد بيّنت وجود علاقة وثيقة ما بين زيادة الوزن وحالة الأكل العاطفي. [3]Péneau, S., Ménard, E., Méjean, C., Bellisle, F., and Hercberg, S. (2013). Sex and dieting modify the association between emotional eating and weight status. Am. J. Clin. Nutr. 97, 1307–1313. … Continue reading
- الشراهة عند الأكل: أجريت الدّراسة على أكثر من 400 شخص من النّاس الّذين يسعون لإنقاص وزنهم، وكانت النّتيجة أنّ حوالي 24% منهم كانوا يعانون من الأكل العاطفي المترافق مع الشّراهة عند تناول الطّعام. [4]Ricca, V., Castellini, G., Sauro, C. L., Ravaldi, C., Lapi, F., Mannucci, E., et al. (2009). Correlations between binge eating and emotional eating in a sample of overweight subjects. Appetite 53, … Continue reading
- الاكتئاب: أجرى بعض الباحثين دراسة على أكثر من 500 أنثى قلقة بشأن وزنها، وقد بيّنت الدّراسة أنّ الاكتئاب مرتبط بشكل مباشر وإيجابي بالأكل العاطفي. [5]Ouwens, M. A., van Strien, T., and van Leeuwe, J. F. (2009). Possible pathways between depression, emotional and external eating. A structural equation model. Appetite 53, 245–248. doi: … Continue reading
- الشّعور بالذنب: تم فحص التّغيّرات العاطفيّة بعد تناول الشوكولاتة في الحياة اليومية كما الآتي: [6]Macht, M., and Dettmer, D. (2006). Everyday mood and emotions after eating a chocolate bar or an apple. Appetite 46, 332–336. doi: 10.1016/j.appet.2006.01.014
- تناولت 37 امرأة تتمتع بصحة جيدة وذات وزن طبيعي قطعة شوكولاتة أو تفاحة، وصُنِّفَت حالتها النّفسيّة خلال 5 و30 و60 و90 دقيقة بعد تناول الطعام.
- قلل كل من الشوكولاتة والتفاح من الجوع ورفع المزاج والنشاط، لكنّ تأثير الشوكولاتة كان أقوى.
- تبع تناول الشوكولاتة الفرح، مع الشعور بالذنب عند بعض النساء.
- عانى المستجيبون للشعور بالذنب من مشاعر إيجابية أقل حدّة، ومن المحتمل أن تكون استجابات الذنب ناتجة عن الإدراك السلبي المتعلق بالطعام.
كيف درس المختصون الأكل العاطفي؟
من أجل دراسة الأكل العاطفي، ينبغي للباحثين أن يكونوا قادرين على قياسه. لهذا، تمّ تصميم العديد من الاستبيانات حول الأكل العاطفي، أوّلها استبيان سلوك الأكل الهولندي الّذي تمّ تطويره في عام 1986، ومنذ ذلك الحين تتابعت الدّراسات والاستبيانات المختلفة بالظهور طردياً حول الأكل العاطفي وكانت أغلب الاستبيانات متشابهة في التّصميم، وهي تتكوّن من عدد من الأسئلة أو العبارات المتعلقة بالرّغبة في تناول الطعام أو تكرار تناوله ردّاً على المشاعر السّلبيّة والإيجابيّة في بعض الأحيان. مثلاً:
- هل تشعر بالرّغبة في تناول الطّعام عندما تشعر بالاكتئاب أو بالإحباط؟
- هل تشعر برغبة في تناول الطعام عندما تشعر بالوحدة؟
وتتراوح الإجابات من أبداً إلى كثيراً جدّاً، والافتراض الأساسي لجميع الاستبيانات هو أن الدّرجات الأعلى تعكس ميلاً أقوى للإفراط في تناول الطّعام عند تجربة المشاعر السّلبيّة.
علاقة الأكل العاطفي باضطراب ما بعد الصدمة
تشير العديد من الأدلّة إلى أنّ اضطراب ما بعد الصّدمة (PTSD) مرتبط بخطر الإصابة بالسّمنة، والأمراض المصاحبة عادة للسّمنة مثل السّكّري وأمراض القلب. ويشير الباحثون إلى أنّ أهم الأسباب المحتملة للإصابة بالسّمنة بعد التعرّض لاضطراب ما بعد الصّدمة هو الإفراط في تناول الطّعام النّاتج عن الإجهاد وبمعنى آخر الأكل العاطفي. إذ تشير العديد من الدّراسات إلى أنّ التّعرّض المزمن للإجهاد والضّغط يؤدّي إلى الإفراط بتناول الطّعام، وبالتّالي يؤدّي إلى السُّمنة. [7]Talbot L, Maguen S, Epel E and el (2013). Posttraumatic Stress Disorder Is Associated With Emotional Eating
First published: 25 July 2013
علاقة الحزن بنوع الطعام
بينت أحد الدّراسات أنّ النّاس في فترات الحزن يميلون لاستهلاك الأطعمة المحتوية على الدّهون والسّكّريّات بكميّات أكبر من المعتاد للحصول على المتعة والتّقليل من الإجهاد، أمّا في حالات السّعادة يميلون لتناول الفواكه المجفّفة مثل الزّبيب مثلاً. [8]Dallman, M. F. (2010). Stress-induced obesity and the emotional nervous system. Trends in Endocrinology & Metabolism, 21, 159– 165. doi:10.1016/j.tem.2009.10.004
علاقة الأكل العاطفي بمؤشّر كتلة الجسم
عادة ما يغيّر النّاس سلوكيّاتهم الغذائيّة عندما يرون أنّهم يتعرّضون للتّوتّر أو يتعرّضون لضغوط شخصية خارجية أو مالية وغيرها من الضّغوط. على الرغم من أن ما يقارب من 20% من النّاس لا يغيّرون سلوكيّات التّغذية خلال الفترات العصيبة، إلا أنّ الغالبيّة يفعلون ذلك.
وجد الباحثون أن الأشخاص الّذين يعانون من زيادة الوزن؛ يميلون عموماً إلى زيادة تناول الطّعام حتّى بالرّغم من عدم شعورهم بالجوع وبالتّالي زيادة الوزن عند الإجهاد، في حين أنّ الأشخاص ذوي الوزن الطّبيعي -أو الّذين يعانون من نقص الوزن- لا يفعلون ذلك. ويبدو أنّ الاختلاف بين مكتسبي الوزن والخاسرين قد يكون نتيجة لتركيز الأنسولين المرتفع لدى الأشخاص الذين لديهم مؤشّر كتلة جسم أعلى.
النساء الرشيقات والأكل العاطفي
تتبع العديد من النّساء أنظمة غذائية مختلفة ومتنوّعة للحفاظ على الوزن تحت حد معيّن وكذلك من أجل الحفاظ على جسد نحيل ورشيق، ولكن أحيانًا يحصل جهد عقلي ناتج عن الحرمان من بعض أنواع الأطعمة؛ مما يؤدّي لشعور تلك المرأة الرّشيقة بالجوع العاطفي والرّغبة بتناول الطّعام المليء بالسّكّريّات.
وقد قال بعض الباحثون أن المرأة الّتي تعود لتناول السّكّريات بشراهة بعد التزامها بالحميات الغذائية، تشبه إلى حد كبير الأشخاص الّذين يعودون للإدمان على المخدّرات بعد الإقلاع عنها.
قد يفيدك الاطلاع على: دليل نظام اللوكارب
الأكل العاطفي والأطفال
هل من الممكن أن يعاني الأطفال أيضاً من اضطراب الجوع العاطفي كما الكبار؟ في الواقع بيّنت إحدى الدّراسات أنّ الأطفال يتعرّضون للأكل العاطفي في بعض الحالات، وبتفاصيل أكثر وضّحت دراسة أُجريت على أكثر من 40 طفل مع آبائهم، أنّ الأطفال الّذين تتراوح أعمارهم بين 5 وحتّى 7 سنوات والّذين تعرّضوا لضغوطات في طفولتهم يتعرّضون لاضطراب الأكل العاطفي أكثر من الأطفال الّذين يعيشون حياة طبيعيّة. [9]Farrow C, Haycraft E, Blissett J. (2015). Teaching our children when to eat: how parental feeding practices inform the development of emotional eating—a longitudinal experimental design. The … Continue reading
بالإضافة لِـما سبق؛ إنّ الآباء الّذين يعتمدون على نظام المكافأة مع أطفالهم، أي يقومون بإعطاء الطّفل قطعاً من الحلوى مثلاً مقابل النّوم باكراً، علّموا أطفالهم عن غير قصد الاعتماد على الأطعمة المستساغة واللّذيذة مثل الأطعمة السّكّريّة عند التّعرّض للضّغوط.
كيف تتغلب على اضطراب الجوع العاطفي؟
يتمثل الجوع العاطفي عند ما يعانون منه بالرغبة الشّديدة في تناول الطّعام في أثناء المعاناة من المشاعر السلبية، أو بالاستسلام للإفراط في تناول الطّعام والشّعور بتدنّي احترام الذات. ومن أجل السيطرة على الجوع العاطفي ينصح بالتالي: [10]Dol, A., Bode, C., Velthuijsen, H., van Strien, T., & van Gemert, L. (2019). What do emotional eaters really need? qualitative results in a vignette study on coaching strategies. Poster session … Continue reading [11]Weight loss: Gain control of emotional eating
اكتب ملاحظاتك عمّا تتناوه من طعام
حاول أن تسجّل كميّات الّتي تأكلها يوميّاً وعدد السّعرات الحرارية الّتي استهلكتها، ومتى تناولت الطّعام وكم مرّة يوميّاً، وهل كنت جائعاً عندما تناولت الطّعام، هذه الملاحظات سوف تساعدك على أخذ فكرة عن العلاقة ما بين تواتر تناول الطّعام والحالة المزاجية الّتي تعاني منها.
تأكد: هل أنت جائع حقّاً؟
عندما تشعر بالجوع حاول أن تختبر حقيقته بنفسك؛ هل هذا الجوع جسدي حقيقي يسبّب قرقرة في المعدة أم أنّه مجرّد جوع عاطفي؟ في كل مرّة تشعر بالجوع حاول أن تؤجّل تناول الطّعام للتأكّد هل أنت جائع حقّاً.
اطلب عون العائلة والأصدقاء
إن كنت تستسلم بشكل مستمر للأكل العاطفي، فمن المرجّح أنّك تفتقر إلى الدّعم من المقرّبين، حاول أن تبقى قريباً من عائلتك وأصدقائك للحصول على الدّعم اللّازم أثناء المرور بالأزمات المختلفة بدلاً من الاستسلام لتناول الطّعام.
تحكم بالجوع بين الوجبات الرئيسية
إذا شعرت بحاجة شديد لتناول الطّعام بين الوجبات، فاختر وجبة خفيفة صحيّة، مثل الفاكهة الطازجة أو الخضراوات قليلة الدسم أو المكسّرات، أو جرّب أن تتناول أطعمتك المفضّلة ولكن بسعرات حراريّة أقل لمعرفة ما إذا كانت ترضي رغبتك.
تعامل مع توترك بطريقة أخرى غير الطعام
من المُـلاحظ عند الكثير من النّاس أنّهم يحاربون التوتّر بتناول المزيد من الطّعام، لذلك عندما تشعر بالتّوتّر حاول أن تمارس الرّياضة (تصفح دليل حرق السعرات الحرارية بالرياضة) أو التّحدّث مع أحد الأقرباء أو إجراء تمارين التّنفّس العميق.
أبعد الحلويات عنك
لا تترك كميّات كبيرة من الحلويات والأطعمة الجاهزة في منزلك وقريبة من متناول اليد، وحاول ألّا تذهب لتسوّق الطّعام عندما تكون غاضباً أو حزيناً.
لا تقع فريسة الملل
الكثير من النّاس يتّجهون مباشرة نحو الثّلاجة عند شعورهم بالملل ويتناولون الحلويات والوجبات الخفيفة لمحاربة الملل، حاول أن تشغل نفسك بشكل مستمر وإذا شعرت بالملل إلجأ لمشاهدة التّلفاز أو تصفّح الانترنت أو المشي في الحديقة.
تجنب الحرمان
يسعى النّاس عند الالتزام بالنظام الغذائي إلى الالتزام بتناول أنواع محدّدة من الأطعمة والحد من السّعرات الحرارية بشكل مبالغ فيه ويتجنّبون الحلويات تماماً، مما يؤدّي بدوره لزيادة رغبتهم في تناول الطّعام، لذلك يُـنصح أن تُمتّع نفسك بتناول بعض الحلويات من الحين والآخر واستهلاك أصناف متنوّعة من الأطعمة وتجنّب أن تحرم نفسك بشكل كامل.
تعلم من أخطائك
إذا تعرّضت لنوبة من الأكل العاطفي، فاغفر لنفسك وابدأ من جديد بشكل تلقائي ولا تُلقي اللّوم على نفسك كل مرّة. حاول أن تتعلّم من التّجربة وافرح بأي إنجازات صغيرة واستمر بالسير نحو الصحة.
أخيراً، الجوع العاطفي نادراً ما يجلب الصّحّة لأجسادنا، والإرادة في كبح الرّغبة في تناول الطّعام هي أفضل طريقة للتّخلّص منه وإدارته. شارك معنا في تحدي الواحد وعشرون يوماً إلى الصحة وابدأ في اتباع عادات صحية تُغير حياتك إلى الأفضل.
المراجع