"أفضل هديّة تنقذ بها حياة، هي الدّم"، فلماذا يعدّ التبرّع بالدّم من أثمن ما يمكنك أن تقدّمه للآخرين، ولماذا الاهتمام بـ "صحة الدم"؟ يعد الدّم من أهمّ الأجهزة المتحرّكة في جسم الإنسان، تتمّ من خلاله كافّة العمليات الحيويّة الضروريّة لعمل باقي الأجهزة، وله دور أساسيّ في عملية التنفّس ونقل الأغذية والفضلات والحفاظ على استتباب الجسم وتوازن الشوارد اللازم لعمل الخلايا، فلا حياة من دون هذا السائل الأحمر.
تبلغ كميّة الدم في أجسامنا حوالي 7-8%، فإن كان وزنك على سبيل المثال 70 كيلو غرام فإنّ كتلة الدم لديك تبلغ حوالي 5 لتر تقريبًا، وتبلغ درجة حرارة الدّم الطبيعية 38 درجة مئويّة أي أكثر بنصف درجة من حرارة الجسم. لنستعرض سويّة كافة المعلومات عن مكونات الدّم، وكيفيّة المحافظة على صحّته، وتعرّف معنا إلى المخاطر التي قد تحدث في حال عدم الاهتمام في صحة الدم.
مفهوم الدّم: نظرة عامة عن مكونات الدم وآلية حركته
الدّم هو السّائل الأحمر الذي يسري في أوعيتنا الدّموية، وهو مسؤول بشكل رئيس عن نقل الأوكسجين والمواد الغذائية المحلولة إلى الخلايا، وأخذ غاز ثنائي أوكسيد الكربون والفضلات منها. فممّا يتكون الدّم وكيف يسري ضمن أوعيتنا؟ [1]What's Blood? https://kidshealth.org/en/kids/blood.html [2]Blood: https://medlineplus.gov/blood.html [3]What is Blood? https://www.oneblood.org/about-donating/blood-donor-basics/what-is-blood/
مكونات الدّم
من أجل فصل مكوّنات الدّم عن بعضها يلجأ المختصين إلى سحب الدّم ووضعه في أنبوب اختبار ثم تُترك حتى تنفصل لوحدها. بعدها، نحصل على سائل طافي في الأعلى هو "البلازما" وتشكل نسبته حوالي 55% من الدّم. بينما يترسّب في أسفل الأنبوب مجموعة من الخلايا هي الكريّات الحمراء التي نسبتها 44%، والكريات البيضاء وصفيحات دموية تكون بين البلازما والكريات الحمراء نسبتها 1%.
1. الكريات الحمراء
هي المسؤولة عن نقل الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون والحفاظ على صحة الدم وسلامته. كذلك، تعد المسؤولة عن تحديد الزمرة الدّموية للإنسان من خلال المستضدّات الموجودة على سطحها، ويأتي لونها الأحمر من مادة الهيموغلوبين فيها.
2. الكريات البيضاء
يبلغ تعدادها الطبيعي بين 4-11000 كرية/ميكرولتر من الدّم، تتجلّى وظيفتها الأهمّ في تأمين المناعة للدّفاع عن الجسم ضدّ الأجسام الغريبة، إضافة إلى دورها في شفاء الجروح وترميم الأنسجة.
3. الصفيحات الدّموية
تعدادها الطبيعي يتراوح بين 150-400 ألف صفيحة في الميكروليتر من الدّم، وهي المسؤولة عن التخثّر ومعاكسة التخثّر وانحلال الخثرة. إضافة إلى دورها في شفاء الالتهاب وشفاء الجروح.
4. البلازما
تتكون من 91% ماء و7% بروتينات و2% شوارد وهرمونات وسكّر ومواد أخرى أساسيّة، وتكمن وظيفتها في نقل الفضلات والمغذيات، ولها دور أيضًا في الالتهاب والتخثّر.
حركة الدّم
يتحرك الدّم داخل أجسامنا بواسطة حركة القلب المستمرّة التي تدفعه عبر الشرايين إلى جميع أنحاء الجسم. ويعود الدّم بعدها عبر الأوردة ليصل إلى القلب ومن ثم إلى الرئتين التي تعيده إلى القلب أيضًا. وقد قُسمت الدورة الدّموية إلى قسمين:
أولًا: الدورة الدّموية الكبرى
يخرج الدّم من البٌطَين الأيسر في القلب عبر الشّريان الأبهر الذي يتفرع إلى فروع عديدة (سباتي – الجذع الزلاقي...) مهمتها نقل الدّم إلى كافة أنحاء الجسم، حتى يصل إلى التفرعات النهائية الدقيقة للشرايين التي تشكل شُعَيرات دمويّة. ومن خلال هذه الحركة، يُزود الدَّم الخلايا بالأوكسجين، ويأخذ منها غاز ثنائي أوكسيد الكربون.
ليعود الدّم بعدها من خلال الأوردة التي تتوسع تدريجيًا حتى يصل إلى الوريد الأجوَف العلويّ والسفليّ، يصبُّ كلّ وريد أجوف منهما من خلال فتحة مستقلّة في الأُذَينِ الأيمنِ من القلب.
الدورة الدّموية الصغرى
يعبرُ الدّمُ من الأُذَين الأيمن إلى البطين الأيمن الذي يدفعه إلى الرئتين عبر الشّريان الرئوي، ليتمّ على مستوى الشّعيرات الدّموية الرئوية تبادل غاز O2 وغاز CO2. بعدها يعود الدّم عبر الأوردة الرئويّة الأربعة إلى الأُذَين الأيسر ومن ثم إلى البُطَين الأيسر من القلب.
لماذا عليك الاهتمام في صحة الدم؟
بالنّظر إلى أيّ جهاز من أجهزة الجسم فإنه يحتاج أن يكون بصحّة جيدة لكي يقوم بوظائفه الحيويّة، فكيف إذا كان هذا الجهاز هو الدّم؟ ذلك السائل الأحمر المسؤول عن استمرار حياتنا، بوظائفه الحيوية الضرورية لحياة الخلايا واستمرارها.
ينبغي لنا الاهتمام بصحة الدم نظرًا لوظائفه العديدة التي لا يمكن للجسم الحياة من دونها، ونذكر من أهم وظائفه: [4]What does blood do? https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK279392/
- الوظيفة الرئيسية هي نقل غاز الأوكسجين من الرئتين إلى كافة خلايا الجسم لضمان استمرار حياتها وتزويدها بالطاقة.
- يعمل الدّم على تنظيم حرارة الجسم، فمن خلال تقبُّض الأوعية الدّمويَة يقلّل من إنتاج الحرارة، بالتالي يحافظ على حرارة الجسم، وتوسّع الأوعية يؤدي إلى إنتاج الحرارة وزيادة التعرّق وبالتالي تبريد الجسم.
- المناعة والدّفاع عن الجسم من خلال الخلايا التائية والبائية، وكذلك الخلايا البالعة الجائلة في الأوعية الدّمويّة، إضافة إلى الأضداد والغلوبولينات المناعيّة التي تنتجها الخلايا اللمفاويّة البائيّة.
- ينقل الدّم كافة المغذيات مثل السكّر والشّوارد إلى الخلايا.
- كذلك ينقل الدّم الهرمونات المفرزة من الغدد الصماء مثل T3 وT4 وGH وTsh والأنسولين والكورتيزول وغيرها من الهرمونات إلى الأعضاء المُستهدَفَة.
- التوازن المائي من خلال الحفاظ على كمّية معينة من الماء داخل الجسم.
- المحافظة على PH مثالي في الدّم.
كيف تحافظ على صحة الدم؟
من أجل استمرار عمل الدم بشكل جيد لا بد منّا أن نحافظ على صحة الدم على أعلى مستوى، فكيف السبيل إلى ذلك؟ يمكننا ذلك من خلال الطعام الصحّي والتحاليل الدوريّة، بالإضافى إلى إجراءات وقائيّة أخرى تغنيك عن الذهاب إلى الطّبيب وتناول الأدوية المختلفة، ومنها:
1. الطعام الصحّي
يجب عليك في سبيل المحافظة على صحة الدم الابتعاد عن الأطعمة الدهنيّة الحاوية على مستويات عالية من الكوليسترول والشحوم الثلاثيّة، حيث يسبّب ارتفاع مستوياتها في الدّم مشاكل خطيرة على الأوعية الدمّويّة والقلب. ومن جهة أخرى يتوجّب عليك اعتماد التنّوع في النّظام الغذائيّ، فلا يوجد نوع واحد فقط يحافظ على صحة الدم. بل هناك أنواع كثيرة من العناصر الغذائيّة المفيدة لعمل الدّم، فما هي أهمّ هذه العناصر؟
لعلّ أهمّ العناصر الغذائية هي الفيتامينات، ومنها فيتامينات B9 وB12 وB6 التي تعد ضرورية لتجديد خلايا الدّم البيضاء والحمراء والصفيحات وهي متواجدة بكثرة في اللحوم والبيض والمكسّرات. وفيتامين C بدوره في المناعة والدّفاع عن الجسم ومنع تراكم الجذور الحرّة، والذي تشتهر الحمضيّات بشكل رئيسيّ باحتوائها مستويات عالية من هذا الفيتامين.
بالإضافة إلى، فيتامين K الضروري لتخثّر الدم ووقف النزيف، ونجده بتركيز عالي في الخضار الورقية كالسّبانخ وفي البقوليات والفواكه مثل العنب والكيوي. وبالحديث عن الغذاء الصحّي للدّم لا بدّ من ذكر الحديد الضروري لنقل الأوكسجين إلى الخلايا، ويمكنك ضمان مستويات كافية منه في غذائك من خلال تناول البيض واللحوم والأوراق الخضراء والحبوب.
اقرأ أيضًا: دليلك إلى المكملات الغذائية: هل يمكن أن يكون غذائك على شكل حبوب؟
2. التمارين الرياضية
تفيدك ممارسة التمارين الرياضية بانتظام في المحافظة على صحة الدم وتحسين وظائفه الضرورية للحياة. حيث تنشّط التمارين الرياضيّة الدورة الدّموّية وتزيد من تدفّق الدّم ووصول الأوكسجين إلى الخلايا وترفع من مستويات الخضاب والهيموجلوبين.
فضلًا عن دور الرياضة في حرق السعرات الحرارية وخفض الوزن وتقليل مستويات السكّر والشحوم والكوليسترول في الدّم. بالتالي، تساعد على الوقاية من حدوث العديد من الأمراض المتعلقة بالدم مثل الجلطة القلبية والاحتشاء والسكتة الدماغيّة، وتقلّل من فرص حدوث ارتفاع ضغط الدّم والداء السكّري.
3. التحاليل الدورية
ننصحك من خلال موقع الأصحاء بالقيام بتحاليل دورية للدّم للحفاظ على صحة الدم. وذلك بهدف، الكشف المبكّر عن أيّ نقص في الخلايا الدّمويّة أو في مستويات الخضاب والحديد، وأيضًا بهدف التشخيص المبكر للأمراض الدّموية ومعالجتها باكرًا. بالتالي، تحقيق نسب شفاء أعلى والقضاء التام على المرض.
أيضًا يجب عمل فحص دوري لمستوى السكّر والكوليسترول، وقياس الضغط الدّموي. من جهة أخرى، يجب كذلك إجراء تحاليل للكشف عن اضطرابات الغدد مثل قياس مستويات هرمونات الغدّة الدّرقية وجارات الدّرقية والغدّة النّخامية والكظر وبقية الغدد. [5]Basic Metabolic Panel (Blood): https://www.urmc.rochester.edu/encyclopedia/content.aspx?contenttypeid=167&contentid=basic_metabolic_panel_blood
4. الحفاظ على وزن مثالي
يزيد الوزن الزائد من خطورة حدوث الأمراض القلبية الوعائية والسّكري وارتفاع الضّغط الدّموي، وينبغي الحفاظ على قيمة تتراوح بين 20 و25 لمؤشر كتلة الجسم BMI (الذي نحصل عليه بقسمة الوزن على مربع الطول)، كذلك يعد محيط الخصر الزائد عامل خطر لحدوث متلازمة التمثيل الغذائي والمخاطر النّاجمة عنها مثل السكتة القلبيّة والدماغيّة.
5. الامتناع عن التدخين
تسبّب مادة النيكوتين الموجودة في التبغ إدمانًا للمدخنين، ومن جهة أخرى يحتوي التبغ على أكثر من 4000 مادّة سامّة تسبب الكثير من المشاكل لأجهزة الجسم، ومن ناحية الدّم فإنّ التدخين يؤدي إلى ارتفاع قيم الخضاب وحدوث ما يسمّى ب "احمرار الدّم" الذي ينجم عنه خطورة عالية لحدوث خثرات وجلطات.
6. الراحة النفسيّة
الراحة النّفسية ضروريّة لجسم الإنسان، فهي تحفّز إفراز هرمونات السعادة وتنشّط الدّورة الدّموية وتقوّي القلب، كما يمكن للصّدمات العاطفية والنفسية أن تسبّب ارتفاع ضغط الدّم وحدوث مرض السكري وغيرها من الاضطرابات.
7. تدليك الجسم
الدورة الدموية الضعيفة تحدث عدة أعراض من تجمع السوائل في الأطراف كأصابع القدم، إلى برودة اليدين والقدين، وصولًا إلى التعب والألم الناتج عن تراكم حمض الاكتيك في العضلات. فالدورة الدموية السليمة تزود العضلات بالأكسجين اللازم لعملية الشفاء، وتخفف من توتر وألم العضلات. [6]Improved Circulation: https://www.physio.co.uk/treatments/massage/benefits-of-massage/improved-circulation.php
يعد العلاج التدليك من أهم النصائح في تعزيز صحة الدم، عن طريق الضغط الناتج عن تقنية المساج تزداد حركة وتدفق الدم في الجسم. وهذا ما يساعد في طرد حمض الاكتيك من العضلات، ويحسن الدورة الدموية للسائل الليمفاوي الذي ينقل الفضلات الأيضية بعيدًا عن العضلات والأعضاء الداخلية، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وتحسينه.
ماذا إن لم أحافظ على صحة الدم؟
لسوء الحظّ، يترتّب على إهمال صحة الدم الساري في عروقنا مشاكل خطيرة جدًا على مستوى أعضائنا كافّة، بدءًا من القلب والدماغ ووصولًا إلى الكليتين ومشاكل العين. فما هي أهم المضاعفات النّاجمة عن تضرّر الدّم؟ [7]Blood Diseases: https://www.niddk.nih.gov/health-information/blood-diseases [8]Types of Blood Disorders: https://www.webmd.com/cancer/lymphoma/blood-disorder-types-and-treatment
فقر الدّم
يحدث فقر الدّم عند الإنسان نتيجًة لأسباب كثيرة، أشهرها فقر الدّم الناتج عن نقص العناصر الغذائيّة لاسيما فيتامينات B12 وB9 ونقص الحديد، كما ينتج فقر الدم أيضًا عن الالتهابات المزمنة والانحلال الدّموي، وعن الأمراض التي تسبّب نقص في عمل الخلايا المكونة للدّم في نقي العظم مثل متلازمة "عسرة تصنّع النّقي" وبعض السرطانات.
احمرار الدّم
المضاعفات الخطيرة النّاجمة من تشكّل جلطات قلبيّة وحدوث نزوف عفويّة عند إهمال صحة الدم.
أمراض القلب
تحدث نتيجة ارتفاع مستويات الشّحوم الثلاثيّة والكوليسترول ومستويات السّكر في الدّم عن الحدّ الطبيعي، وهي أمراض قاتلة ويجب الوقاية منها من خلال الحفاظ على صحة الدم.
ارتفاع ضغط الدّم
نتيجة تراكم الكوليسترول في جدران الأوعية الدمويّة وحدوث تضيّق فيها يليه ارتفاع قيم الضغط، ويجب علاجه بأسرع وقت وتخفيض قيمته على الحدّ الطبيعي لتجنّب مضاعفاته الخطيرة من نزوف دماغية واعتلالات كلويّة ونزوف خطيرة ضمن العين.
جلطات دمويّة
قد تسبّب نقص في تروية القلب، نقص في تروية الدماغ وتموت الخلايا العصبيّة، احتشاء في جزء من الرئة وارتفاع الضغط الرئويّ ثمّ الموت أحيانًا.
وهناك العديد من الاضطرابات الدّموية الوراثيّة التي تخلق مع الإنسان، أشهرها النّاعور وكلّ من فقر الدم المنجلي والتلاسيميا. ومن أجل الحفاظ على صحة الدم في هذه الحالات، نحتاج إلى نقل عامل التخثّر الناقص بشكل دوري للمصابين بالنّاعور، ويحتاج مرضى الثلاسيميا أيضًا إلى نقل دم بشكل متكرّر للحفاظ على حياة طبيعيّة.
بالتأكيد، وبعد اطّلاعك الآن على وظائف الّدم والمخاطر الناتجة عن إهماله، أصبح لديك معلومات كافية عن أهميّة الحفاظ على صحة الدم، لتنعم بحياة صحية خالية من العلل والأمراض. حافظ على وزن مثالي ومارس التمارين الرياضيّة، تناول الطعام الصحيّ المفيد للقلب والدّم وابتعد عن الأغذية الضارّة، وأخيرًا أجري فحوصات دورية. كل هذا كفيل في الحفاظ على سلامة وصحة دمك.
المراجع